Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

المكاسب والخسائر في حرب غزة (1)
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

يعتبر يوم السابع من أكتوبر 2023 يوما فصل بين أوهام القوة وموازين القوة، وبين المبادرة والفعل ورد الفعل.. في هذا اليوم ضربت فصائل حركة حماس المستوطنات الإسرائيلية حول قطاع غزة واسرت اكثر من 200 اسير ودمرت العديد من الدبابات والمدرعات بعد ان اقتحمت الجدارالفاصل المعزز بأحدث وسائل التنصت والانذار.. واستغرق الامر بعض ساعات ليس اكثر قبل ان تستفيق إسرائيل علي كارثة لم تعهدها منذ نشأتها عام 1947، وساعدت فيديوهات حماس التي صورتها اثناء الهجوم ونشرتها علي وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار الهزيمة المدوية لاكبر واقوي جيش في المنطقة. وللأسف فنفس هذه الفيديوهات كان لها أيضا دورا معاكسا لما كنت تبتغيه حماس.

وكانت ساعات هذا الهجوم هو لحظة أوهام القوة التي تخيلتها حماس، لان ما تلي ذلك كان هو التحرك الفعلي والحاسم لمنطق موازين القوة الذي لدى الطرف الأخر ، فقد منحت الحرب وبخاصة تلك الفيديوهات المنتشرة إسرائيل قدرا غير مسبوق من التعاطف والدعم الإقليمي والدولي وبات هناك اجماعا عالميا علي ان ما قامت به حركة حماس هو عين الإرهاب، ووصل الامر الي وصول اقوي اساطيل العالم من أمريكا وفرنسا وبريطانيا الي شواطئ إسرائيل لدعمها و"انقاذها" من حركة حماس.

وللحق كان هناك قصورا في رؤية حماس لتلك الحرب في نقطتين الأول، انها خلطت بين الماضي والحاضر، وظنت انها اذا كانت قد نجحت في الافراج عن اكثر من 1000 اسير فلسطيني مقابل اسير إسرائيل واحد ما عرف وقتها بصفقة جلعاد شاليط ، فكيف سيكون الحال اذا كان لديها ما يزيد عن 200 اسير، الأسير، وتخيلت انها بالتفاوض ستتمكن من تبييض سجون إسرائيل من معتقليها ال7 الاف. النقطة الثانية انها تخليت بما لديها من عدد الاسري غير المسبوق سيقيد بل سيلجم اسرئيل من التحرك عسكريا لتحرير اسراها وانها ستضطر الي اللجوء لخيار التفاوض تحت ضغط أهالي الاسري الاسرائيلين خوفا من تعرضهم للاذي، ولم تدرك المقاومة للحظة ان اسرئىل لديها بروتوكول هانيبال (جندي قتيل خير من جندي اسير) هو إجراء يستخدمه الجيش الإسرائيلي لمنع خطف جنوده من قِبل فصائل المقاومة الفلسطينية أو أي طرف آخر، وصيغته المعروفة هي أن "عملية الخطف يجب أن تتوقف بكل الوسائل، حتى لو كان ذلك على حساب ضرب قواتنا وإلحاق الأذى بها".

وكانت الكارثة ..وجاء الرد الإسرائيلي علي غزة غير مسبوق ، وتجاوز بل وفاق ما تخيلته حماس.وشنت إسرائيل حربا علي اكثر من مليونين من المدنيين العزل المحاصرين ربما لم يشهدها العالم من قبل، واستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة وبمختلف العيارات والذخائر المحرمة وغير المحرمة بمباركة وتأييد العالم. بدأت الحرب بكارثة إنسانية تحولت فيما بعد الي مآساة ، وامتدت لتتحول المآساة الي ملهاه بكل ما تحمله الكلمة في القواميس الاغريقية القديمة والأرقام شاهد مرعب. وتبعا للاحصائيات فقد اعتقلت إسرائيل بعد الحرب اكثر من 10 الاف فلسطيني في الضفة الغربية وحدها وهو يزبد عن عدد ما كنت تآمل حماس في الافراج عنهم من سجون الاحتلال، وبلغ عدد القتلى المدنيين في غزة اقترب من 30 الف قتيل واكثر من 130 الف مصاب ناهيك عن عدد غير معلوم من المفقودين يعد بالالاف. وهو تقريبا يمثل 20 في المائة من تعداد سكان القطاع. ما عن حجم الدمار كما تصفه التقارير وتظهره تحليلات بيانات الأقمار الصناعية فيشير إلى أن ما بين 144 ألف مبنى و175 ألفا في قطاع غزة قد تضرر أو دمر. وهذا ما يعادل بين 50 و 61 في المئة من مباني غزة. وقدر الخبراء حجم ما القي علي غزة في مدة 60 يوما فقط من قنابل حوالي 45 الف طن ما يقرب ب3 قنابل نووية مثل التي القيت علي مدينة هيروشيما اليابانية اثناء الحرب العالمية الثانية. كما نزح حوالي 2 مليون شخص - أكثر من80 في المئة من سكان غزة - وتجمع نصفهم تقريبًا أقصى جنوب القطاع، وفقًا للأمم المتحدة. … وكان هذا هو الفارق بين الفعل ورد الفعل والمبادرة.

حماس التي تم استغلالها من الجميع تأسست بشكل او بآخر بهدف القضاء على إسرائيل، الا انها فعليا غير قادرة على ذلك، فهي تلجأ لتسخين الجبهة لكسب الاهتمام والحلفاء، واذا كان المقصود من هجوم السابع من أكتوبر استفزاز المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ودفعها إلى المبالغة في رد الفعل الذي من شأنه أن يقوض التعاطف الدولي مع إسرائيل، ويؤجج انتفاضة في الضفة الغربية والقدس، فان ما حدث كان العكس تماما وانقلب السحر علي الساحر. ومن المتوقع ان تمثل نهاية حماس في غزة خاتمة مآساوية لظاهرة الإسلام السياسي السني، وسقوط تجربة الإسلام السياسي سقوطًا كاملًا، وسحب الورقة الفلسطينية من إيران، ومن ثم إضعاف نفوذها الجيوسياسي والدعائي في المنطقة. ويمكن القول ان نهاية حماس العسكرية ستحسم مع تحديد مصير اخر اسير إسرائيلي لديها.

السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، هي الأخرى مأزومة بالقدر نفسه ، فهي بلا دماء جديدة وبدون رؤية مستقبلية وتفتقر الي أي أدوات تمكنها من فرض وجودها علي الأرض. وهي مطالبة بان تكون اكثر واقعية في العامل مع المستجدات القادمة بما في ذلك التخلي عن شعارات سابقة وغير مجدية مثل عودة اللاجئين او غيرها من الشعارات الدينية التي تضر بما تبقي من القضية الفلسطينية، والتعامل بمنطق موازين القوة وليس باوهام القوة.

إسرائيل التي لا تمتلك أي عمق جغرافي استراتيجي سبب لها هجوم السابع من أكتوبر ازمة وجودية، سيجعلها مستقبلا تفكر جيدا في خيار السلام بمنظور اشمل اواسع واستيعاب متناقضاتها السابقة مع العرب علي الأقل للتماهي فيما بينهم. وربما يفضي الامر الي دولة "اسرافلسطينية" كما كان ينادي الرئيس الليبي معمر القذافي.

هذه الحرب فرضت منذ لحظتها الاولي معادلة صفرية علي إسرائيل ( كل شيئ او لا شيئ) ، وحماس هي من فرضت علي تل ابيب مبدأ اللجوء القوة المطلق ، فهي لم تترك لها أي خيار آخر بعد ان تسببت لها في ازمة هوية وضربتها في عمقها ومصدر عقيدتها العسكرية وهو "القوة المفرطة".. لذلك فإن بقاء حماس فقط بالنسبة لإسرائيل يعني هزيمتها فعليا. لذلك تبدو أي تسوية سياسية، وفق ما جرت عليه العادة في حروب إسرائيل السابقة مع حماس، “غير واردة”، ولا يمكن قبولها وفق أي معيار، بعد هذه الهزيمة المذلة التي أفقدت مواطنيها ثقتهم بقوة دولتهم. بالتالي فان بقاء الحركة بوضعها العسكري السابق اصبح من التاريخ.



تواصل معنا